دمشق - بيروت تايمز - تحليل سياسي بقلم الاعلامي جورج ديب
في تحول دراماتيكي قد يُعيد رسم خريطة الشرق الأوسط، أفادت مصادر إعلامية إسرائيلية أن محادثات غير مباشرة تجري بين إسرائيل وسوريا قد تُفضي إلى اتفاق سلام تاريخي قبل نهاية العام 2025. وبحسب ما نقلته قناة "i24NEWS"، فإن الاتفاق المرتقب ينص على انسحاب تدريجي لإسرائيل من الأراضي السورية التي احتلتها عقب دخولها المنطقة العازلة في 8 كانون الأول 2024، بما في ذلك قمة جبل الشيخ، مع تحويل مرتفعات الجولان إلى ما أُطلق عليه "حديقة سلام".
لكن هذه الرواية، وعلى الرغم من طابعها التصالحي، تصطدم بتصريحات متناقضة من الجانب الإسرائيلي، حيث أعلن وزير الخارجية جدعون ساعر أن "بقاء إسرائيل في الجولان" شرط لا تنازل عنه لأي اتفاق مستقبلي مع دمشق، مؤكدًا أن "الاعتراف السوري بسيادة إسرائيل على الجولان يمثل ضمانة استراتيجية لأمن الإسرائيليين"، وهو ما يُدخل مسار التفاوض في دائرة معقدة من التباينات الجوهرية.
في المقابل، تبدو دمشق حذرة في التعامل مع التسريبات المتوالية. فرغم الغموض الرسمي، تشير مصادر سورية قريبة من دوائر القرار إلى أن أي مسار تفاوضي يجب أن ينطلق من قاعدة واضحة: انسحاب كامل من الأراضي المحتلة، ووقف دائم للاعتداءات الإسرائيلية، خصوصًا في الجنوب السوري.
وتؤكد هذه المصادر أن دمشق لا تمانع الدخول في تفاهمات سياسية قد تعيدها إلى طاولة التفاوض، شرط احترام السيادة السورية وقرارات الشرعية الدولية، لا سيما القرار 497 الذي يعتبر ضم الجولان لاغيًا وباطلاً. كما تفضل العودة إلى اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974 كمرجعية أمنية، مع ضمانات دولية صارمة تمنع التملّص من الالتزامات.
على المستوى الميداني، كانت إسرائيل قد وسّعت وجودها العسكري في جنوب سوريا منذ انهيار النظام السابق، واحتلت مناطق جديدة أبرزها أجزاء من المنطقة العازلة وريف القنيطرة، فيما تستمر بغاراتها الجوية في خطوة تهدف لتثبيت وقائع أمنية جديدة، بذريعة منع التهديدات على حدودها الشمالية.
وتطالب تل أبيب بأن تُبقي محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء منزوعة السلاح، وترفض أي انتشار للقوات السورية أو الحليفة لها في هذه المناطق، مما يُصعّب على دمشق القبول بأي صيغة لا تشمل سيطرة كاملة على أراضيها.
تحليلًا لهذه التطورات، يبدو أن سوريا عالقة بين ضغوط أميركية–إسرائيلية متسارعة ورغبة داخلية في استعادة دورها الإقليمي دون تفريط بالثوابت. فهي تسعى إلى استثمار أي نافذة انفتاح سياسي لتحسين شروطها التفاوضية، دون أن تخسر أوراق قوتها الرمزية أو تتنازل عن مطلب استعادة الجولان بالكامل، خاصة أن أي تهاون في هذا الملف قد يضعف شرعيتها داخليًا ويُفقدها رصيدها التاريخي في الصراع العربي–الإسرائيلي.
وعليه، فإن مشهد "السلام" بين دمشق وتل أبيب لا يزال ضبابيًا، محكومًا بحدود الواقعية السياسية ومتشابكًا بتوازنات قوى إقليمية ودولية، في انتظار ما ستُسفر عنه الشهور المقبلة من تحوّلات في الميدان والدبلوماسية.
Comments