لوس انجلوس - في حادثة غير مألوفة في الحياة السياسية الأميركية، شهدت مدينة لوس أنجلوس، يوم الخميس، مشهدًا دراماتيكيًا تمثل في إخراج السيناتور الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا، أليكس باديلا، مكبلًا بالأصفاد من مؤتمر صحفي لوزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم، ما فجّر موجة من الانتقادات والاستقطاب السياسي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
السيناتور باديلا، المعروف بمواقفه التقدمية والمدافعة عن حقوق المهاجرين، كان قد حضر المؤتمر الذي نظمته وزارة الأمن الداخلي لمناقشة الإجراءات الأمنية والملف الحدودي، في وقت تتصاعد فيه التوترات والاحتجاجات في لوس أنجلوس بسبب الاعتقالات التي وصفت بـ"التعسفية".
ما الذي حدث؟
بحسب مقاطع فيديو متداولة وشهادات صحفية من داخل القاعة، حاول باديلا طرح سؤال على الوزيرة نويم حول أسباب الحملة الأمنية المثيرة للجدل، إلا أنه فوجئ بتدخل رجال أمن بملابس تحمل شارة الـFBI قاموا بدفعه وإخراجه بالقوة من القاعة دون مقاومة تُذكر، ثم عمدوا إلى تكبيل يديه خارج المبنى الاتحادي، وسط ذهول الصحافيين والحضور.
قال باديلا، أمام عدسات وسائل الإعلام:
"أنا عضو منتخب في مجلس الشيوخ. من حقي أن أطرح سؤالًا. ما حدث هو إهانة للدستور وللديمقراطية".
رواية وزارة الأمن الداخلي: "اندفع نحو الوزيرة"
في المقابل، نشرت تريشا مكلافلين، مساعدة وزيرة الأمن الداخلي، بيانًا أكدت فيه أن باديلا "اندفع بشكل مفاجئ نحو الوزيرة نويم، دون أن يقدّم نفسه أو يرتدي شارة تعريفه كممثل في مجلس الشيوخ"، وهو ما دفع عناصر الأمن الفيدرالي إلى التعامل معه كـ"تهديد محتمل".
وقالت مكلافلين إن ما جرى كان "إجراءً أمنياً مشروعاً"، مضيفة أن الوزيرة التقت بباديلا لاحقًا لمدة 15 دقيقة في لقاء مغلق لاحتواء التوتر.
البُعد السياسي: استعراض أم انتهاك؟
منذ وقوع الحادث، انقسم المشهد السياسي والإعلامي حول تقييم ما جرى. فقد وصف بعض أعضاء الحزب الديمقراطي الحادثة بأنها "سابقة خطيرة تنذر بتقويض التقاليد الديمقراطية وحصانة النواب"، مشيرين إلى أن التعامل الأمني مع سيناتور منتخب يُعدّ "إهانة لمبدأ فصل السلطات وحرية التعبير".
في المقابل، اعتبر نواب جمهوريون أن تصرف باديلا كان "مسرحية سياسية مدروسة" لإحراج الوزيرة نويم، وأن أجهزة الأمن تصرفت بما يتوافق مع البروتوكولات المعمول بها في حماية المسؤولين رفيعي المستوى.
يأتي هذا الحادث في سياق أوسع من التوتر السياسي في الولايات المتحدة، لا سيما في ما يخص قضايا الهجرة والحدود، والتي باتت تشكّل محورًا للصراع بين الجمهوريين، الداعين إلى تشديد القيود، والديمقراطيين الذين يدفعون نحو مقاربة أكثر إنسانية واندماجية.
كما تشهد مدينة لوس أنجلوس، حيث وقع الحادث، احتجاجات يومية تقريبًا ضد ما يصفه ناشطون بـ"العنف الممنهج" ضد المهاجرين، وعمليات الاعتقال التي تشمل عائلات وأطفالاً. وتضع هذه التحركات الوزيرة نويم تحت ضغط داخلي كبير، في ظل تحضيرات انتخابية محمومة لعام 2026.
تساؤلات جدية
يطرح مراقبون تساؤلات جدية حول ما إذا كانت هذه الحادثة تعكس خللاً أعمق في العلاقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية في ظل انقسام سياسي حاد. ويذهب البعض إلى حدّ اعتبار أن التعامل الأمني مع سيناتور منتخب قد يمثّل انزلاقًا خطيرًا نحو عسكرة الحياة المدنية وتعطيل المساءلة السياسية، وهو ما يتعارض مع المبادئ الدستورية الأميركية.
بين الروايتين المتضادتين، تبقى تداعيات الحادث مرشحة للتصعيد، خاصة إذا ما قرر مجلس الشيوخ التحقيق في ملابساته. ويرى محللون أن هذه القضية، وإن بدت منعزلة، قد تتحول إلى رمز سياسي في خضم الصراع الأميركي الداخلي بين الأمن والديمقراطية، وبين الرقابة والسلطة.
وفي بلد يؤمن بأن "لا أحد فوق الدستور"، يبدو أن اختبارًا جديدًا يواجه المؤسسات، والرأي العام بانتظار أجوبة... وربما اعتذارات.
Comments