خان يونس - بيروت تايمز - تحقيق منى حسن
في ظل صمت العالم وصخب الأسلحة، ارتكبت آلة الاحتلال الإسرائيلي واحدة من أبشع المجازر التي لا تُمحى من ذاكرة الإنسانية، حين استُشهد تسعة أطفال من عائلة الطبيبة الفلسطينية آلاء النجار في قصف جوي إسرائيلي دمّر منزلهم في منطقة قيزان النجار في خان يونس، جنوب قطاع غزة، مساء الجمعة 24 أيار/مايو 2025.
"وين أولادي؟"
كانت الطبيبة آلاء تمارس عملها الإنساني في قسم الأطفال بمجمع ناصر الطبي حين بلغها خبر استهداف منزلها. هرعت إلى موقع القصف، لتجد المنزل قد سُوّي بالأرض. لم تُبدِ أي ردة فعل في البداية، وراحت تبحث وسط الركام عن أبنائها العشرة.
تسعة منهم قُتلوا على الفور، فيما نجا طفل واحد فقط، هو آدم (11 عامًا)، إلى جانب والده الطبيب حمدي النجار الذي نُقل إلى العناية المركزة بجراح خطيرة وبيد مبتورة.
قالت زميلتها في المستشفى، الطبيبة آلاء الزيّان: "آلاء كانت واقفة وسط الركام، لا تبكي، لا تصرخ، فقط تتمتم بأسماء أولادها. لم تكن تصدّق أنهم راحوا كلهم".
ليست مصادفة... بل استهداف ممنهج
العائلة التي لا تنتمي لأي فصيل سياسي، كانت محاصَرة وسط نيران كثيفة من الطائرات المسيّرة والمدفعية الإسرائيلية. تقول سهر النجار، ابنة شقيقة الطبيب حمدي:
"كنا نحاول التنسيق لإجلائهم، خالي قال ننتظر، لكن فجأة سقطت الصواريخ. خرجنا نحمل رايات بيضاء، ولم نجد شيئًا من المنزل".
الأطفال التسعة الذين تراوحت أعمارهم بين سبعة أشهر واثني عشر عامًا، استُهدفوا بشكل مباشر، بحسب الشهادات. تمكّنت فرق الدفاع المدني من انتشال سبعة جثث فقط، معظمها متفحّمة ومشوّهة، بينما بقي اثنان تحت الركام لساعات بسبب استمرار القصف.
قال عم الأطفال، علي النجار: "حمدي رفض يترك بيته لأنه طبيب. هذه مش حرب، هذا إعدام جماعي لأطفال أبرياء".
أشلاء في كيس واحد
أكد شهود ومسعفون في المستشفى أن جثامين الأطفال وصلت إلى المشرحة متفحمة وممزقة داخل كيس واحد. روى المسعف حازم أبو شرخ أن المشهد كان أشبه "بمجزرة صامتة"، فيما أضاف الطبيب وائل شعث أن آلاء تعيش حالة "صدمة خرساء".
وقال إسماعيل النجار، شقيق الطبيب حمدي وأول الواصلين إلى موقع القصف:
"آدم كان مغطى بالتراب وينزف. أخرجته بيدي. حمدي كان بلا وعي ويده مقطوعة. حاولنا إنقاذ الباقي... لكن اللي شفناه ما بينوصف".
قبر جماعي ونداء أخير
تم دفن الأطفال في قبر جماعي وسط الحزن والغضب. وناشدت العائلة المجتمع الدولي السماح بنقل الأب والابن الناجي لتلقي العلاج خارج القطاع، وسط تدهور وضع حمدي الصحي.
وتأتي هذه المجزرة ضمن سلسلة من الغارات العشوائية التي استهدفت المدنيين في غزة، حيث تشير التقديرات إلى مقتل آلاف، بينهم نسبة مرتفعة من الأطفال والنساء، منذ بداية التصعيد الأخير.
أبعد من قصف... إنها محاولة لكسر الإرادة
إن استهداف منزل لعائلة طبية لا ترتبط بأي نشاط عسكري يعكس حجم الاستهتار الإسرائيلي بالقانون الدولي الإنساني. وتشكّل مأساة عائلة آلاء النجار دليلًا صارخًا على ما وصفه المراقبون بأنه سياسة عقاب جماعي منهجية تسعى إلى كسر النسيج الاجتماعي الفلسطيني.
يقول أحد الجيران: "الاحتلال لا يقصف مواقع عسكرية، يقصف قلوب الأمهات. هذا بيت، مش قاعدة عسكرية".
في الختام: العالم صامت... والعدالة غائبة
مع استمرار هذا الصمت الدولي المخزي، تبقى معاناة المدنيين في غزة تتفاقم يومًا بعد يوم. المأساة لم تعد أرقامًا في تقارير إخبارية، بل قصصًا من دم ولحم ودموع، تعكس وجع أم فقدت أطفالها التسعة في لحظة واحدة.
إنه نداء أخير إلى الضمير الإنساني العالمي: متى ينتهي هذا الجحيم؟ ومتى يكون للعدالة مكان في حياة الفلسطينيين؟
Comments