د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب
تم تأجيل سقوط نظام بشار الأسد عدد من المرات نتيجة التقاء المصالح الدولية فيما بينها، مرة الاستعانة بطهران ومرة أخرى الاستعانة بموسكو، وكانت السعودية وتركيا ينسقان في سوريا، لكن هذه المرة بعد حدوث تحولات دولية وإقليمية على رأسها التهدئة بين الرياض وطهران برعاية بكين، أوقفت لعب الولايات المتحدة على الصراع بينهما مع ضبط الصراع في نفس الوقت حتى لا يخرج عن الخطوط التي ترسمها في مناطق الصراع، وترى استقدام بكين لمنطقة الشرق الأوسط خط أحمر، لكن توصلا الجانبين السعودي والأمريكي مستثمرين حاجة أوروبا للطاقة إلى الإعلان عن الممر الهندي الأوروبي الأخضر كمتغير جديدة بقيادة الولايات المتحدة.
يتطلب تهدئة الصراع العربي الإسرائيلي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، لكن طوفان الأقصى الاستخباراتي كان من أجل رسم خريطة جديدة للمنطقة، وبالفعل كانت ردة الفعل على طوفان الأقصى القضاء على محور المقاومة الذي تقوده طهران، تلقت السعودية وتركيا إشارات تلك التغيرات فقررا قيام هيئة تحرير الشام بتحرير سوريا من نظام الأسد المتهالك الذي لا يحكم سوى منطقة صغيرة للغاية فيما تتحكم بقية الفصائل ببقية سوريا.
خلال بضعة أسابيع تغيرت صورة سوريا، وأعلن أحمد الشرع أنه يريد سوريا تتسع لكل مكوناتها بلا اقصاء، خصوصا وأن سوريا تتعدد فيها الانتماءات العرقية والدينية والمذهبية، أي يريد أحمد الشرع أن تصبح سوريا الدولة لا سوريا الفصائل، ولا يريد زج بلاده في حروب ومعارك استنزاف لا مع إسرائيل ولا مع غيرها، ولن يقبل لأي فصيل بتهديد دول الجوار، أو يورط سوريا في فخ رد فعل سريع على السلوك الإسرائيلي المفرط في عدوانيتها كما اعتادت إسرائيل مع دول المنطقة متى ما حانت لها الفرصة ومحاولتها تصفية القضية الفلسطينية وتهجير بشكل خاص سكان غزة إلى سيناء والأردن، من أجل تبديد مخاوف الخارج، ويحسب له أنه لم يقم بأي احتفالات مع خروج إيران أو تقليص الوجود العسكري الروسي، ويحلم بتجهيز سوريا لعودة ملايين السوريين القاطنين بشكل خاص في الملاجئ في دول الجوار التي تعاني من ضغوط اقتصادية كما في لبنان وفي الأردن وجنوب تركيا.
قبل أن يختار أحمد الشرع الرياض محطته الأولى باعتبارها العمق العربي والبوصلة الدولية، كانت هناك عدد من المحطات ففي 8 ديسمبر 2024 ارتياح سعودي للخطوات الإيجابية التي تمت لتامين سلامة الشعب السوري، وفي 31 ديسمبر أشاد احمد الشرع بالدعم السعودي ودورها في مستقبل سوريا، وفي بداية العام الحالي أطلقت السعودية برنامج إغاثي عاجل لسوريا يقدر بنحو 350 طن عبر جسر جوي وبري وبحري، وفي 2 يناير زار وفد سوري في زيارة خارجية الأولى له إلى الرياض مكون من وزير الخارجية ووزير الدفاع والاستخبارات، ما جعل السعودية تتبنى استضافة اجتماعا لدعم سوريا في 12 يناير، على إثرها قام وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان لزيارة دمشق، وفي 30 يناير هنأ الملك سلمان وولي عهد الأمير محمد بن سلمان أحمد الشرع قرار رئاسته لسوريا الجديدة، بعد التقاء وزير خارجية تركيا هاكان فيدان في الرياض بوزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان قبل إعلان قرار رئاسة أحمد الشرع رئاسة الحكومة الانتقالية في سوريا.
هناك حراك سياسي نوعي خلال الشهرين بين سوريا والسعودية رسم معالم مستقبل التعاون بين البلدين، التي توجت زيارة أحمد الشرع الأولى إلى الرياض ثم إلى تركيا، هذا الاحتضان السعودي للقيادة الجديدة في سوريا شبه الضامن بدد المخاوف لدى بعض الدول العربية والأوروبية وزوال الضبابية، بل تمهيدا للاعتراف العربي والدولي بسوريا الجديدة، خصوصا بعدما تمكنت السعودية من رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا لمدة ستة أشهر ورفع العقوبات الأوروبية لمدة سنة، لأنه لا يمكن تحقيق تنمية دون رفع العقوبات، والانتقال من جس النبض إلى بناء الثقة من أجل التحول إلى الازدهار والنمو.
زيارة أحمد الشرع للرياض تتويج لمرحلة جديدة ونهاية حقبة قديمة بعيدا عن سياسة المحاور والتحالفات، خصوصا وأن القيادة السورية الجديدة تستلهم رؤية المملكة 2030 لمستقبل سوريا، هذه الزيارة تحمي سوريا من التطفلات الإقليمية التي خرجت من الباب التي يخشى أن تعود من نافذة الطائفية.
* أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى سابقا
Dr_mahboob1@hotmail.com
Comments