بقلم الدكتور لويس حبيقة
يعاني اقتصاد لبنان، منذ ما قبل حرب أوكرانيا وما بعد حرب غزة، من أزمة بنيوية جدية. توقفنا عن مقارنة أوضاع اليوم بتلك ما قبل حرب 1975 لأنه أصبح حلما مستحيلا ولا فائدة منها. أقصى طموحنا مقارنة أوضاع اليوم بأوضاع التسعينات حيث كان الطموح واقعيا والأفق واسعا والقدرة على النجاح كبيرة والأمل بالازدهار واسعا. المقارنة لا تكفي بل تكون مزعجة أحيانا في غياب الرؤية بل الرغبة أو القدرة على التنفيذ. أسباب المعاناة متشعبة ولا تقتصر على سؤ الاداء السياسي، وانما تمتد الى هشاشة القواعد الاجتماعية والقانونية والمؤسساتية والأخلاقية.
حسنا لم نعد نتكلم في الاعلام عن الاصلاح والشفافية، أقله لعلمنا أنها مشاريع مستحيلة اليوم قبل الغد. كلبنانيين فعلا لا نريد القيام باصلاحات قانونية ومؤسساتية لأن احترام القوانين والقواعد ليس من عاداتنا ولا نريد القيام به. عندما يرمي بعض اللبنانيين النفايات في المجاري مع علمهم بما ينتج عن أعمالهم، فماذا نسمي ذلك؟ عندما يخالف بعض اللبنانيين كافة القوانين الحياتية من قانون السير الى قانون البناء الى القوانين المالية وغيرها، كيف نصف ذلك خاصة عندما يدرك المخالفون ماذا يفعلون وأن أعمالهم تضر بالمصلحة العامة. المخالفات عن قصد أخطر بكثير من المخالفات المبنية على الجهل أو الاهمال، لكن النتيجة واحدة.
لبنان مرهق اقتصاديا واجتماعيا وانسانيا ويظهر ذلك جليا في العين المجدرة قبل الاحصائيات. جميع المؤشرات سلبية وتنذر بحصول أزمات لا قدرة لنا على مواجهتها، بدأ من الناتج المحلي الاجمالي الى مؤشرات التضخم والاستهلاك وكافة المؤشرات الانتاجية. لبنان مرهق قبل أن يفكر في الدخول في أي حرب تفرض علينا أو نختارها. لا يمكن تأمين الحماية الاجتماعية في ظروف تعثر مادي وأخلاقي واجتماعي.
لا ينفع الاتكال على انجازات الماضي لنطمئن، "فأصل الفتى ما قد حصل". نعرف جميعا أننا لا نحضر للمستقبل بل في الواقع مستقبلنا متروك للصدف أو لما يقرره الغير لنا. قطاعاتنا الاقتصادية تعاني من عدم القدرة على التمويل ومن عدم قدرة المواطن على الشراء ومن غياب رقابة جدية على سير الأعمال لمحاربة الغش واستغلال المواطن، وأحيانا من غياب أفكار خلاقة جديدة للتقدم والابداع. الرؤية مفقودة في أكثرية القطاعات ونترك الحظ يلعب دورا رئيسيا في توجيه المسيرة.
يعاني لبنان من الوجود القسري لملايين النازحين واللاجئين في وقت يغض المجتمع الدولي النظر عن تأثيراته السلبية الكبيرة على الواقع وخاصة على المستقبل. هنالك وقائع تشير الى تشجيع المجتمع الدولي على ذلك ليس حماية للاجئين والنازحين، وانما لفرض تغييرات ديموغرافية كبيرة وخطيرة على مجتمعنا. لبنان ال 10452 كلم 2 في خطر لأنه غير قادر على استيعاب تلك الأعداد. الشلل السياسي الداخلي يمنعنا حتى من الدفاع عن أنفسنا في وجه الارادات الخارجية المضرة. اللبناني حائر من ناحية كيفية مواجهة هذه المخاطر الديموغرافية الاجتماعية، وهو حائر أيضا بين غض النظر والمواجهة المكلفة بكل المعايير.
Comments