وقائع بشأن المساواة

07/08/2022 - 07:53 AM

بيروت تايمز

 

 

بقلم الدكتور لويس حبيقة

 

معظم مشاكل الدول حاليا تنبع من سؤ المساواة، أي من عدم احترام مصالح وحقوق ومشاعر جميع المواطنين وخاصة الفقراء. ينتج عن هذا الواقع اضطرابات اجتماعية لا تقتصر على التظاهر بل تؤثر على هوية الحكومات ومستقبل الدول. فالمساواة بين انسان وآخر ضرورية لكنها صعبة بالرغم من انها الهدف العلني لكل المجتمعات. هنالك مساواة سياسية انتخابية يجب أن تتم وتؤثر على ادارة الدول ومستقبلها. هنالك مساواة اجتماعية تساهم في تخفيف الفجوات المادية وتقوية العلاقة بين المواطن وحكومته. هنالك المساواة الانسانية بين المواطنين وهذا مهم ويتعدى المادة ليصل الى النفسية والحقوق والواجبات واحترام الآخرين. هنالك العدالة الاقتصادية بحيث يحصل المواطن على حقوقه تبعا لانتاجيته وربما أحيانا تبعا لحاجاته اذا كانت هنالك عوائق اصطناعية في وجهه.

المساواة في وطن واحد بين الرجل والمرأة وبين كافة الأعراق والأجناس والمناطق والديانات تبقى هدف أخلاقي، الا أنه صعب التحقيق بسبب المصالح والثقافات الموروثة والعنصريات وكافة الوقائع المحلية السلبية. تسعى الدول الصناعية منذ عقود الى تحقيق المساواة داخل مجتمعاتها. حصل تقدم كبير الا أن العدالة ليست كاملة ولا بد من تعزيزها. في أوروبا والولايات المتحدة وبين سنتي 1987 و 2017، زادت ثروات الأغنياء 8,9% سنويا في وقت لم تزداد ثروات الأكثر فقرا الا 4% مما يشير الى توسع الفجوة مع الوقت.

ليس المطلوب المساواة الكاملة في الثروات أو الدخل لأن هذا مستحيل، اذ حاولت الأنظمة الشيوعية على مدى عقود تحقيقها دون جدوى بل فشلت وزالت من الوجود أهمها طبعا الاتحاد السوفياتي. الصين دولة تعتمد النظام الاقتصادي الحر وهنالك دول أخرى تعتمد فقط الاشتراكية السياسية كما الرأسمالية الاقتصادية. في كل حال، المساواة لم تتحقق بعد عالميا وتبقى هدفا. هنالك فجوات كبيرة بين الدول كما داخل كل دولة تختلف حدتها من فترة لأخرى. المساواة الكاملة ربما نظرية وربما أيضا غير مرغوب بها لأنها تقتل المنافسة وتسيء للانتاجية وتؤخر النمو الاقتصادي العام.

هنالك وقائع مهمة بالنسبة للمساواة الاقتصادية في الدول التي تعتمد النظام الاقتصادي الحر. هنالك احصائيات مفيدة بالنسبة للفجوات المادية في الدخل والثروات في هذه الدول نقدم أهمها فيما يلي:

أولا: ما زالت الاحصائيات الكاملة بالنسبة للفجوات المادية غائبة حتى اليوم بالرغم من التقدم التكنولوجي الكبير. في الدول النامية والناشئة هنالك عجز في اصدار احصائيات واضحة بشأن الفقر ربما لأسباب سياسية أيضا. مواضيع الفقر تخيف الحكومات التي تحاول تجنبها لأنها ربما جاهلة لتقنيات المواجهة.

ثانيا: ترتفع فجوة الدخل عالميا بين الأغنياء والفقراء منذ 1980 بسبب الأسواق والعولمة وغيرها، علما أنها انحدرت لعقود قبل ذلك. "الركود الكبير" لم يمنع تراجع المساواة وهذا ما كان يحصل سابقا في فترات مماثلة. هنالك أرقام تشير الى أن القطاع العام أصبح أفقر نسبيا حتى في الدول التي نمت بقوة لأن التوجه العالمي خاصة منذ سقوط الشيوعية كان نحو تعزيز القطاع الخاص وتجهيزه لكل المهمات. وجود أنظمة ضرائبية تصاعدية على الدخل تخيف أحيانا قطاع الأعمال لكنها مفيدة لخزينة الدولة ولتحقيق أعلى درجة ممكنة من المساواة.

هنالك من يقترح أن تكون الضريبة على الأرث 100% بحيث تكون المساواة واقعة منذ بداية الحياة. من يقترحها من اقتصاديين يقول أن الدافع الى تحقيق الثروة هو أساس الانتاجية والتقدم، وبالتالي الأرث يضر بهذا الدافع لذا وجب الغاؤه. طبعا وجهات النظر بهذا الشأن وغيره كبيرة وواسعة والمناقشة مطلوبة على كافة المستويات. هذا يعني أن قدرات القطاع العام المادية ضعفت بسبب الاهمال أو العقيدة أو العجز. قال "أرل وارن" أن معظم المواطنين يصف ما تفعله الدولة لهم بالتقدم الاجتماعي وما تفعله للآخرين بالهدر. في كل حال، هنالك حاجة دائمة لدولة فاعلة قوية تطبق القوانين ضمن المؤسسات.

ثالثا: الرأسمال المالي موجود لأقلية يمكن أن تستثمر ولأكثرية غير قادرة على الحصول عليه. فالفجوة المادية موجودة اليوم في كل الدول الغنية منها والفقيرة. من خطورتها ان كلما كبرت الفجوة، كلما تعثر النمو العام وكلما ضاقت الفرص أمام المواطنين للتقدم ماديا. تعادل الفرص بشأن التعليم والصحة للجميع يؤثر ايجابا على المساواة وعلى التنمية الاجتماعية. لا بد من القول أن الفجوة بين الرجال والنساء انحدرت عالميا في السنوات المادية لكنها تبقى واسعة في كل المجالات وخاصة السياسي. كذلك الأمر بالنسبة للفجوة بين الأعراق.

الوقائع حول الفجوات المادية كثيرة وكبيرة، الا أن الأهم هو محاولة معرفة كيف ستسير الأمور مستقبلا. هنالك عوامل عدة مؤثرة على التطورات المستقبلية نذكر منها:

أولا: التغير المناخي الذي يضرب سلامة الطبيعة ونوعية الحياة مما يؤثر سلبا على صحة الانسان ومعنوياته وبالتالي يصيب الى حدود كبيرة الفقراء وأصحاب الدخل المتوسط الذين لا يستطعون مقاومته أو تجنبه. الميسورون قادرون على تغيير الاقامة أو بناء حواجز مادية أمام الزلازل والفياضانات وغيرها بينما يبقى الفقراء عرضة للمخاطر المتنوعة.

ثانيا: الضمانات الاجتماعية المهمة جدا لاستمرار الاستقرار الاجتماعي. عالميا نشهد انخفاضا لهذه الضمانات خاصة بسبب التمويل وبالتالي يصيب الفقراء أكثر بكثير من غيرهم.

ثالثا: المنافسة القطاعية وقوانين حماية الاحتكار التي تسمح للمواطن العادي بالنجاح في الأسواق والتقدم ماديا واجتماعيا. مستقبل أي اقتصاد يعتمد على الابتكار الذي يمارسه عموما المبتدئين في معركة الحياة أي الشباب والطلاب. الاحتكار يضرب الابتكار لذا يجب حماية النظام الرأسمالي من الرأسماليين أنفسهم، وهذا ما تفعله القوانين. أما القوانين المحاربة للاحتكار فتحمي المنافسة، وبالتالي تعطي الفرص للمبتدئ أو للفقير بالفوز المستقبلي حتى في وجه الشركات الكبرى والأغنياء.

لماذا يرفض بعض المواطنين علنا المساواة أو الغاء الفجوات، وهذا يدعو للعجب أو السخرية؟ منهم من يرفض للحفاظ على بعض المراكز السياسية أو الاقتصادية المرتبطة بالغنى المادي وهنالك مجتمعات تميز الأغنياء وتعاملهم بشكل مختلف مما يدفعهم الى الرغبة في الحفاظ على الواقع. هذه الحقائق المميزة للأغنياء والأقوياء تسمح لهم بالسيطرة على الغير وبالتالي توجيه الخيارات الاجتماعية والسياسية العامة لمصلحتهم. هنالك أيضا من يرغب بالحفاظ على هذه المزايا أو الأفضليات ليس له فقط وانما أيضا للأولاد وللمستقبل.

الفجوة باقية لكل الأسباب المذكورة أعلاه، علما انه ليس هنالك من درجة مساواة مرغوب بها أو ممكنة. فالمساواة واسعة ويجب تحديدها؟ في الثروة أو الدخل؟ في الحقوق والواجبات؟ لكل مجتمع ظروفه وأوضاعه ولا يمكن التعميم.

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment